الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الفصل في الملل والنحل **
قال أبو محمد إنا لما تدبرنا أمر طائفتين ممن شاهدنا في زماننا هذا ووجدهما قد تفاقم الداء بهما فأما إحداهما فقد جلت المصيبة فيها وبها وهم قوم افتتحوا عنفوان فهمهم وابتداؤا دخولهم إلى المعارف بطلب علم العدد ونزواته وطبائعه ثم تدرجوا إلى تعديل الكواكب وهيئة الأفلاك وكيفية قطع الشمس والقمر والدراري الخمسة وتاقطع فلكي النيرين والكلام في الأجرام العلوية وفي الكواكب الثابنة وانتقالها وإبعاد كل ذلك وإعظامه وفيما دون ذلك من الطبيعيات وعوارض الجو ومطالعة شيء من كتب الأوائل وحدودها التي نصبت في الكلام وما مازج بعض ما ذكرنا من آراء الفلاسفة في القضاء بالنجوم وأنها ناطقة مدبرة وكذلك الفلك فأشرفت هذه الطائفة من أكثر ما طالعت مما ذكرنا على أشياء صحاح براهينها ضرورية لائحة ولم يكن معها من قوة المننة وجودة القريحة وصفاء النظر ما تعلم به إن من أصاب في عشرة آلاف مسألة مثلاً فجائز أن يخطىء في مسئلة واحدة لعلها أسهل من المسائل التي أصاب فيها فلم تفرق هذه الطائفة بين ما صح مما طلعوه بحجة برهانية وبين ما في أثناء ذلك وتضاعيفه مما لم يأت عليه من ذكره من الأوائل إلابإقناع أو بشغب وربما بتقليد ليس معه شيء مما ذكرنا فحملوا كل ما أشرفوا عليه محملاً واحداً وقبلوه قبولاً مستوياً فسترى فيهم العجب وتداخلهم الزهو وظنوا أنهم قد حصلوا على مباينة العالم في ذلك وللشيطان موالج خفية ومداخل لطيفة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يجري من ابن آدم مجرى الدم فتوصل إليهم من باب غامض نعوذ بالله منه وهو أنهم كما ذكرنا أصغار من كل شيء من علوم الديانة التي هي الغرض المقصود من كل ذي لب والتي هي نتيجة العلوم التي طالعوا لو عقلوا سبلها ومقاصدها فلم يعبؤا بآية من كتاب الله تعالى الذي هو جامع علوم الأولين والآخرين والذي لم يفرط فيه من شيء والذي من فهمه كفاه ولابسنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي بيان الحق ونور الألباب ولم تلق هذه الطائفة المذكورة من حملة الدين إلا أقواماً لا عناية عندهم بشيء مما قدمناه وإنما عنيت من الشريعة بأحد ثلاثة أوجه إما بألفاظ ينقلون ظاهرها ولا يعرفون معانيها ولا يهتمون بفهمها وإما بمسائل من الأحكام لا يشتغلون بدلايلها ومنبعثها وإنما حسبهم منها ما أقاموا به جاههم وحالهم وأما بخرافات منقولة عن كل ضعيف وكذاب وساقط لم يهتبلوا قط بمعرفة صحيح منها من سقيم ولا مرسل من مسند ولاما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم مما نقل عن كعب الأحبار أو وهب بن منبه عن أهل الكتاب فنظرت الطائفة الأولى من هذه الآخرة بعين الاستهجان والاحتقار والاستهجال فتمكن الشيطان منهم وحل فيهم حيث أحب فهلكوا وضلوا واعتقدوا أن دين الله تعالى لا يصح منه شيء ولا يقوم عليه دليل فاعتقدوا أكثروا الإلحاد والتعطيل وسلك بعضهم طريق الاستخفاف والإهمال وإطراح ثقل الشرائع واستعمال الفرائض والعبادات وآثروا الراحات وركوب اللذات من أنواع الفواحش المحرمات من الخمور والزنا واللواطة والبغاء وترك الصلوات والصيام والزكاة والحج والغسل وقصدوا كسب المال كيف تيسر وظلم العباد واستعمال الأهزال وترك الجد والتحقيق وتدين الأقل منهم بتعظيم الكواكب فأسفت نفس المسلم الناصح لهذه الملة وأهلها على هلاك هؤلاء المساكين وخروجهم عن جملة المؤمنين بعد أن غذوا بلبان الإسلام ونشؤا في حجور أهله نسأل الله العصمة من الضلال لنا ولا بنائنا ولك إخواننا من المسلمين ونسأله تدارك من زلت قدمه وهوت نقله أنه على كل شيء قدير وأما الطائفة الثانية فهم قوم ابتدؤا الطلب لحديث النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزيدوا على طلب علو الإسناد وجمع الغرائب دون أن يهتموا بشيء مما كتبوا ويعلموا به وإنما تحملوه حملاً لا يزيدون على قراءته دون تدبر معانيه ودون أن يعلموا أنهم المخاطبون به ونه لم يأت هملاً ولا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عبثاً بل أمرنا بالتفقه فيه والعمل به بل أكثر هذه الطائفة لا يعمل عندهم إلا ما جاء من طريق مقاتل بن سليمان والضحاك بن مزاحم وتفسير الكلبي وتلك الطبقة وكتب البذي التي إنما هي خرافات موضوعات وأكذوبات مفتعلات ولدها الزنادقة تدليساً على الإسلام وأهله فأطلقت هذه الطائفة كل اختلاط لا يصح من أن الأرض على حوت والحوت على قرن ثور والثور على الصخرة والصخرة على عاتق ملك والملك على الظلمة والظلمة على ما لا يعلمه إلا الله عز وجل وهذا يوجب أن جرم العالم غير متناه وهذا هو الكفر بعينه فنافرت هذه الطبقة التي ذكرنا كل برهان ولم يكن عندها أكثر من قولهم نهينا عن الجدال فليت شعري من نهاهم عنه والله عز وجل يقول في كتابه المنزل على نبيه المرسل صلى الله عليه وسلم. وجادلهم بالتي هي أحسن. وأخبر تعالى عن قوم نوح أنهم قالوا. يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا. وقد نص تعالى في غير موضع من كتابه على أصول البراهين وقد نبهنا عليها في غير ما موضع من كتابنا هذا وحض تعالى على التفكر في خلق السموات والأرض ولا يصح الاعتبار في خلقهما إلا بمعرفة هيآتهما وانتقال الكواكب في أفلاكهما واختلاف حركاتها في التغريب والتشريق والأفلاك تداويرها وتعارض تلك الأدوار على رتبة واحدة وكذلك معرفة الدوائر والمنطقة والميل والاستواء وكذلك معرفة الطبائع وامتزاج العناصر الأربعة وعوارضها وتركيب أعضاء الحيوان من عصبه وعضله وعظامه وعروقه وشرايينه واتصال أعضائه بعضها ببعض وقواه المركبة فمن أشرف على ذلك وعلمه رأي عظيم القدرة وتيقن أن كل ذلك صنعة ظاهرة وإرادة خالق مختار لأن اختلاف تلك الحركات يضطر إلى المعرفة بأن شيئاً منها لا يقوم بنفسه دون ممسك مدبر لا إله إلا هو ولا خالق سواه ولا مدبر حاشاه ولا فاعل مخترع إلا هو ثم زاد قوم منهم فأتوا بالأفيكة التي تقشعر منها الذوائب وهي إن أطلقوا أن الدين لا يؤخذ بحجة فأقروا عيون الملحدين وشهدوا أن الدين لا يثبت إلابالدعاوي والغلبة وهذا خلاف قوله عز وجل. قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. وقوله تعالى. فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان. هذا قول الله عز وجل وما جاء به نبيه صلى الله عليه وسلم وفي ذلك الكفاية والغناء عن قول كل قائل بعده وقد حاج ابن عباس الخوارج وما علمنا أحداً من الصحابة رضي الله عنهم نهى عن الاحتجاج فلا معنى لرأي من جاء بعدهم فكان كلام هذه الطائفة مغرياً للطائفة الأولى بكفرها ومغبطاً لهم لشركهم إذ لم يروا في خصومهم في الأغلب إلا من هذه صفته ثم زادت هذه الطائفة الثانية غلواً في الجنون فعابوا كتبنا لا علم لهم بها ولا طالعوها ولا رأوا منها كلمة ولا قرؤها ولا أخبرهم عنما فيها ثقة كالكتب التي فيها هيئة الأفلاك ومجاري النجوم والكتب التي جمعها أرسطاطاليس في حدود الكلام قال أبو محمد وهذه الكتب كلها كتب سالمة مفيدة دالة على توحيد الله عز وجل وقدرته عظيمة المنفعة في انتقاد جميع العلوم وعظم منفعة الكتب التي ذكرنا في الحدود ففي مسائل الأحكام الشرعية بها يتعرف كيف التوصل إلى الاستنباط وكيف تؤخذ الألفاظ على مقتضاها وكيف يعرف الخاص من العام والمجمل من المفسر وبناء الألفاظ بعضها على بعض وكيف تقديم المقدمات وإنتاج النتائج وما يصح من ذلك صحة ضرورية أبداً وما يصح مرة وما يبطل أخرى وما لا يصح البتة وضرب الحدود التي من شذ عنها كان خارجاً عن أصله ودليل الخطاب قال أبو محمد فلما رأينا عظيم المحنة فيما تولد في الطائفتين اللتين ذكرنا رأينا من عظيم الأجر وأفضل العمل بيان هذا الباب المشكل بحول الله تعالى وقدرته وتأييده فنقول وبه عز وجل نتأيد ونستعين إن كل ما صح ببرهان أي شيء كان فهو في القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم منصوص مسطور يعلمه كل من أحكم النظر وأيده الله تعالى بفهم وأما كل ما عدا ذلك مما لا يصح ببرهان وإنما هو إقناع أو شغب فالقرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم منه خاليان والحمد لله رب العالمين قال أبو محمد ومعاذ الله أن يأتي كلام الله سبحانه وتعالى وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم بما يبطله عيان أو برهان إنما ينسب هذا إلى القرآن والسنة من لا يؤمن بهما ويسعى في إبطالهما. ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. ولسنا من تفسير الكلب الكذاب ومن جرى مجراه في شيء ولا نحن من نقل المتهمين في شأن إنما نحتج بما نقله الأئمة الثقاة الأثبات من رؤساء المحدثين مسنداً فمن فتش الحديث الصحيح وجد فيه كل ما قلنا والحمد لله رب العالمين وإنما الباطل ما ادعته الطائفة الأولى من نطق الكواكب وتدبيرها وهذا كفر لا حجة عندهم على ما قالوه منه أكثر من أن المحتج لهم قال لما كنا نعقل وكانت الكواكب تدبرنا كانت أولى بالعقل منا وهذا الذي ذكروه ليس بشيء لأن الكواكب وإن كان لها تأثير في العالم ظاهر فليس تأثيرها تأثير ملك واختيار يدل على ذلك ما قد ذكرناه في كتابنا هذا من الدلائل على أن الكواكب مضطرة لا مختارة وإنما تأثيرها كتأثير النار بالإحراق والماء بالتبريد والسم بإفساد المزاج والطعام بالتغذية والفلفل بحذو اللسان والإهليلج بالقبض للفم وما جرى هكذا من سائر ما في العالم وكل ذلك غير ناطق والكواكب والأفلاك جارية هذا المجرى لأن تأثيرها تأثير واحد لا يختلف وحركتها حركة واحدة لا تختلف وليس كذلك المختارة ولقد قال لي بعضهم وقد عارضته بهذا أن المختار الفاضل يلزم أفضل الحركات فلا يتعداها وتلك الحركة الدورية هي أفضل الحركات فقلت له وما دليلك على أن تلك الحركة أفضل الحركات ومن أين صارت الحركة من شرق إلى غرب أو من غرب إلى شرق أفضل من الحركة من جنوب إلى شمال أو من شمال إلى جنوب وكيف يكون عندكم أفضل الحركات والأفلاك الثمانية تنتقل من غرب إلى شرق والتاسع من شرق إلى غرب فأي هاتين الحركتين قلتم أنها أفضل عندكم وقد اختار الآخر الحركة التي ليست أفضل فظهر فساد هذا القول بيقين وهذه دعاوي مجردة بلا برهان وما كان هكذا فقد سقط ولا فرق بينك وبين من قال بل الحركة علو أفضل أو على خط مستقيم سائرة وراجعة ونحن نجد تلك الأجرام تسفل في بعض ممراتها وتشرف في بعض وتسقط في بعض على قولكم وتوافق بزعمكم بروح نحس مظلمة وأخرى نيرة سعيدة وبعض الأفلاك يقطع من غرب إلى شرق وهو حركة جميعها إلا الأعلى فإنه يتحرك من شرق إلى غرب فليست هذه أفضل الحركات فبطل قولهم والحمد لله رب العالمين قال أبو محمد وكذلك ماذكره من ذكر ذلك منهم من الكرور عند انتهاء آلاف من الأعوام ذكروها وانتصاب الكواكب الثابتة على نصبٍ ما من قطعها لفلكها فهذا أيضاً كذب مجرد ودعوى ساقطة لا دليل عليها ولا يعجز عن مثلها أحد ولم يأتوا على شيءٍ من ذلك بشغب ولا بإقناع فكيف ببرهان وإنما هو تقليد لبعض قدماء الصابئين فمثل هذه الحماقات والخرافات هي الذي دفعته الشريعة الإسلامية وأبطلته وأما ما قامت عليه البراهين فهو في القرآن والسنة موجود نصاً واستدلالاً ضرورياً والحمد لله رب العالمين
قال أبو محمد وهذا حين نأخذ إن شاء الله تعالى في ذكر بعض ما اعترضوا به وذلك أنهم قالوا إن البراهين قد صحت بأن الأرض كروية والعامة تقول غير ذلك وجوابنا وبالله تعالى التوفيق إن أحداً من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم رضي الله عنهم لم ينكروا تكوير الأرض ولا يحفظ لأحد منهم في دفعه كلمة بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها قال الله عز وجل. يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل. وهذا أوضح بيان في تكوير بعضها على بعض مأخذو من كور العمامة وهو إدارتها وهذا نص على تكوير الأرض ودوران الشمس كذلك وهي التي منها يكون ضوء النهار بإشراقها وظلمة الليل بمغيبها وهي آية النهار بنص القرآن قال تعالى. وجعلنا آية النهار مبصرة. فيقال لمن أنكر ما جهل من ذلك من العامة أليس إنما افترض الله عز وجل علينا أن نصلي الظهر إذا زالت الشمس فلابد من نعم فيسألون عن معنى زوال الشمس فلابد من أنه إنما هو انتقال الشمس عن مقابلة من قابل بوجهه القرص واستقبل بوجهه وأنفه وسط المسافة التي بين موضع طلوع الشمس وبين موضع غروبها في كل زمان وكل مكان وأخذها إلى جهة حاجبه الذي يلي موضع غروب الشمس وذلك إنما هو في أول النصف الثاني من النهار وقد علمنا أن المداين من معمور الأرض آخذة على أديمها من مشرق إلى مغرب ومن جنوب إلى شمال فيلزم من قال إن الأرض منتصبة الأعلى على غير مكورة أن كل من كان ساكناً في أول المشرق أن يصلي الظهر في أول النهار ضرورة ولابد إثر صلاة الصبح بيسير لأن الشمس بلا شك تزول عن مقابلة ما بين حاجبي كل واحد منهم في أول النهار ضرورة ولابد أن كان امر على ما تقولون ولا يحل لمسلم أن يقول إن صلاة الظهر تجوز أن تصلى قبل نصف النهار ويلزمهم أيضاً أن من كان ساكناً في آخر المغرب إن الشمس لا تزول عن مقابلة ما بين حاجبي كل واحد منهم إلا في آخر النهار فلا يصلون الظهر إلا في وقت لا يتسع لصلاة العصر حتى تغرب الشمس وهذا خارج عن حكم دين الإسلام وأما من قال بتكويرها فإن كل من ظهر الأرض لا يصلي الظهر إلا إثر انتصاف نهاره أبداً على كل حال وفي كل زمان وفي كل مكان وهذا بين لا خفاء بل وقال عز وجل. سبع سموات طباقاً. وقال تعالى. ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق. وهكذا قام البرهان من قبل كسوف الشمس والقمر بعض الدراري لبعض على أنها سبع سموات وعلى أنها طرائق وقوله تعالى طرائق يقتضي متطرقاً فيه وقال تعالى. وسع كرسيه السموات والأرض. وهذا نص ما قام عليه البرهان من انطباق بعضها على بعض وإحاطة الكرسي بالسموات السبع وبالأرض وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسألوا الله الفردوس الأعلى فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوق ذلك عرش الرحمن وقال تعالى. الرحمن على العرش استوى. وأخبر هذان النصان بأن ما على العرش هو منتهى الخلق وناية العالم وقال تعالى. إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظاً من كل شيطان مارد. وهذا هو نص ما قام البرهان عليه من أن الكواكب المرمي بها هي دون سماء الدنيا لأنها لو كانت في السماء لكان الشياطين يصلون إلى السماء أو كانت هي تخرج عن السماء وإلا فكانت تلك الشهب لا تصل إليهم إلا بذلك وقد صح أنهم ممنوعون من السماء بالرجوم فصح أن الرجوم دون السماء وأيضاً فإن تلك الرجوم ليست نجوماً معروفة أصلاً وإنما هي شهب ونيازك من نار تتكوكب وتشتعل وتطفأ ولا نار في السموات أصلاً فلم نجد الاختلاف إلا في الأسماء لاختلاف اللغات وقد اعترض القاضي منذر بن سعيد في هذا فجعل الأفلاك غير السموات قال أبو محمد ولا برهان على ما ذكر إلا أنه قال إن السموات هي فوق الأرض وهذا ليس بشيء لأن التحت والفوق من باب الإضافة لا يقال في شيء تحت إلا وهو فوق لشيء آخر حاشى مركز الأرض فإنه تحت مطلق لا تحت له البتة وكذلك كل ما قيل فيه أنه فوق فهو أيضاً تحت لشيء آخر حاشى الصفحة العليا من الفلك إلا على المقسوم بقسمة البروج فهي فوق لا فوق لها البتة فالأرض على هذا البرهان الشاهد هي مكان التحت للسموات ضرورة فمن حيث كانت السماء فهي فوق الأرض ومن حيث قابلتها الأرض فهي تحت السماء ولابد وحيث ما كان ابن آدم فرأسه إلى السماء ورجلاه إلى الأرض وقد قال الله عز وجل. ألم يروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً. وقال تعالى. جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً. فأخبر الله تعالى إخباراً لا يرده إلا كافر بأن القمر في السماء وأن الشمس أيضاً في السماء ثم قد قام البرهان الضروري المشاهد بالعيان على دورانها حول الأرض من مشرق إلى مغرب ثم من مغرب إلى مشرق فلو كان على ما يظن أهل الجهل لكانت الشمس والقمر إذا دارا بالأرض وصارا فيما يقابل صفحة الأرض التي لسنا عليها قد خرجا عن السماء وهذا تكذيب لله تعالى فصح بهذا أنه لا يجوز أن يفارق الشمس والقمر السموات ولا أن يخرجا عنها لأنهما كيف دارا فهما في السموات فصح ضرورة أن السموات مطابقة طباقاً على الأرض وأيضاً فقد نص تعالى كما ذكرنا على أن الشمس والقمر والنجوم في السموات ثم قال تعالى. وكلٌ في فلك يسبحون. وبالضرورة علمنا أنه لا يمكن أن يكون جرم في وقت واحد في مكانين فلو كانت السموات غير الأفلاك وكانت الشمس والقمر بنص القرآن في السموات وفي الفلك لكانا في مكانين في وقت غير متداخلين واحد وهذا محال ممتنع ولا ينسب القول بالمحال إلى الله عز وجل إلا أعمى القلب فصح أن الشمس في مكان واحد وهو سماء وهو فلك وهكذا القول في القمر وفي النجوم وقوله تعالى وكلٌ في فلك يسبحون نص جلي على الاستدارة لأنه أخبر تعالى أن الشمس والقمر والنجوم سابحة في الفلك ولم يخبر تعالى أن لها سكوناً فلو لم تستدر لكانت على أباد الدهور بل في الأيام اليسيرة تغيب عنا حتى لا نراها أبداً لو مشت على طريق واحد وخط واحد مستقيم أو معوج غير مستدير لكنا أمامها أبداً وهذا باطل فصح بما نراه من كرورها من شرق إلى غرب وغرب إلى شرق أنها دائرة ضرورة وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سئل عن قول الله تعالى. والشمس تجري لمستقرٍ لها. فقال عليه السلام مستقرها تحت العرش وصدق صلى الله عليه وسلم لأنها أبداً تحت العرش إلى يوم القيامة وقد علمنا أن مستقر الشيء هو موضعه الذي يلزم فيه ولا يخرج عنه وإن مشى فيه من جانب إلى جانب حدثنا أحمد بن عمر بن أنس العذري ثنا عبد الله ابن أحمد الهروي حدثنا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي حدثنا إبراهيم بن خزيم ثنا عبد بن حميد حدثني سليمان بن حرب الواسحي ثنا حماد بن سلمة عن اياسي بن معاوية المزني قال السماء مقببة هكذا على الأرض وبه إلى عبد بن حميد حدثني يحيى بن عبد الحميد عن يعقوب عن جعفر هو ابن أبي وحشية عن سعيد بن جبير قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال أرأيت قول الله عز وجل. سبع سموات ومن الأرض مثلهن. قال ابن عباس هن ملتويات بعضهن على بعض حدثنا عبد الله بن ربيع التميمي ثنا محمد بن معاوية القرشي حدثنا أبو يحيى زكريا ابن يحيى الساجي البصري قال أنبأنا عبد الأعلى ومحمد بن المثنى وسلمة بن شبيب قالوا كلهم ثنا وهب بن جرير بن حازم قال سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة وجبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله جهدت الأنفس وضاع العيال ونهكت الأموال وهلكت الأنعام فاستسق الله لنا فذكر الحديث بطوله وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي ويحك تدري ما الله إن عرشه على سمواته وأرضه هكذا وقال بأصابعه مثل القبة ووصف لهم ابن جرير بيده وأمال كفه وأصابعه اليمنى وقال هكذا حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عون الله وأحمد بن عبد البصير قالا جميعاً أنبأنا قاسم بن اصبع ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن بشار بندار ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث التنوري ثنا شعبة عن الأعمش هو سليمان بن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كل في فلك يسبحون فلك كفلك المغزل قال أبو محمد وذكروا أيضاً قول الله عز وجل عن ذي القرنين. وجدها تغرب في عين حمئة وقريء. أيضاً حامية قال أبو محمد وهذا هو الحق بلا شك وذو القرنين كان في العين الحمئة الحامية حمئة من حماتها حامية من استحرارها كما تقول رأيتك في البحر تريد أنك إذ رأيته كنت أنت في البحر وبرهان هذا أن مغرب الشمس لا يجهل مقدار عظيم مساحته إلا جاهل ومقدار ما بين أول مغربها الشتوي إذا كانت من آخر رأس الجدي إلى آخر مغربها الصيفي إذا كانت من رأس السرطان مرئيٌّ مشاهد ومقداره ثمان وأربعون درجة من الفلك وهو يوازي من الأرض كلها بالبرهان الهندسي أقل من مقدار السدس يكون من الأميال نحو ثلاثة آلاف ميل ونيف وهذه المساحة لا يقع عليها في اللغة اسم عين البتة لاسيما أن تكون عيناً حمئة حامية وباللغة العربية خوطبنا فلم تيقنا أنها عين بإخبار الله عز وجل الصادق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه علمنا يقيناً أن ذا القرنين انتهى به السير في الجهة التي مشى فيها من المغارب إلى العين المذكورة وانقطع له إمكان المشي بعدها لاعتراض البحار هنالك وقد علمنا بالضرورة أن ذا القرنين وغيره من الناس ليس يشغل من الأرض إلا مقدار مساحة جسمه فقط قائماً أو قاعداً أو مضطجعاً ومن هذه صفته فلا يجوز أن يحيط بصره من الأرض بمقدار مكان المغارب كلها لو كان مغيبها في عين من الأرض كما يظن أهل الجهل ولابد من أن يلقى خط بصره من حدبة الأرض أو من نشز من أنشازها ما يمنع الخط من التمادي إلى أن يقول قائل إن تلك العين هي البحر فلا يجوز أن يسمى البحر في اللغة عيناً حمئة ولا حامية وقد أخبر الله عز وجل أن الشمس تسبح في الفلك وأنها إنما هي من الفلك سراج وقول الله تعالى هو الصدق الذي لا يجوز أن يختلف ولا يتناقض فلو غابت في عين في الأرض كما يظن أهل الجهل أو في البحر لكانت الشمس قد زالت عن السماء وخرجت عن الفلك وهذا هو الباطل المخالف لكلام الله عز وجل حقاً نعوذ من ذلك فصح يقيناً بلا شك أن ذا القرنين كان هو في العين الحمئة الحامية حين انتهى إلى آخر البر في المغارب وبالله التوفيق لاسيما مع ما قام البرهان عليه من أن جرم الشمس أكبر من جرم الأرض وبالله تعالى التوفيق وبرهان آخر قاطع وهو قول النصارى. وجدها تغرب في عين حامية. وقري حمئة. ووجدها عندها قوماً. فصح ضرورة أنه وجد القوم عند العين لا عند الشمس وقال الله عز وجل. جنة عرضها السموات والأرض. وقد صح الإجماع والنص على أن أرواح الأنبياء صلوات الله عليهم في الجنة إلا في قول من لا يعد من جملة أهل الإسلام ممن يقول بفناء الأرواح وأنها أعراض وكذلك أرواح الشهداء في الجنة وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رآهم ليلة أسري به في السموات سماءً سماءً آدم في سماء الدنيا وعيسى ويحيى في الثانية ويوسف في الثالثة وإدريس في الرابعة وهارون في الخامسة وموسى وإبراهيم في السادسة والسابعة صلى الله على جميعهم وسلم فصح ضرورة أن السموات هي الجنات وقد قال عليه السلام أن أرواح الشهداء طير أخضر تعلق في ثمار الجنة ومن المحال الممتنع الذي لا يظنه مسلم أن تكون أرواح الشهداء طيور خضر وأرواح الأنبياء في غير الجنة إذ هم أولى بكل فضل ولا مكان فضل من الجنة حدثنا أحمد بن عمر بن أنس العذري حدثنا أبو ذر الهروي أنا أحمد بن عبدان الحافظ النيسابوري بالأهواز أنا محمد بن سهل المقري حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري مؤلف الصحيح أنا أبو عاصم النبيل أنا عبد الله بن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد أنا محمد بن جبير عن صفوان بن يعلى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال البحر من جهنم أحاط به سرادقها حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث أنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم حدثنا أحمد بن خالد أنا محمد بن عبد السلام الخشني حدثنا محمد ابن بشار حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن عثمان بن غياث عن عكرمة مولي بن عباس عن ابن عباس عن كعب قال والبحر المسجور يسجر فيكون جهنم حدثنا عبد الله بن ربيع التميمي أنا عبد الله بن محمد بن عثمان الأسدي أنا أحمد بن خالد حدثنا علي بن عبد العزيز أنا الحجاج بن المنهال السلمي أنا مهدي بن ميمون عن محمد بن عبد الله ابن أبي يعقوب الضبي عن بشر هو ابن سعاف قال كنا مع عبد الله بن سلام يوم الجمعة في المسجد فقال وإن الجنة في السماء والنار في الأرض وذكر كلاماً كثيراً وبه إلى الحجاج بن المنهال حدثنا حماد بن سلمة عن داد عن سعيد بن المسيب أن علي بن أبي طالب قال ليهودي أين جهنم قال في البحر قال علي بن أبي طالب ما أظنه إلا قد صدق حدثنا المهلب الأسدي حدثنا ابن مياس حدثنا بن مسرور حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا عبد الله ابن وهب عن شبيب بن سعيد عن المنهال عن شقيق بن سلمة عن بن سمعود قال الأرض كلها يومئذ نار والجنة من ورائها وأولياء الله في ظل عرش الله تعالى قال أبو محمد وقال الله تعالى. لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار. فبين تعالى أن الشمس أبطأ من القمر وهكذا قام البرهان بالرصد أن الشمس تقطع السماء في سنة والقمر يقطعها في ثمانية وعشرين يوماً ثم نص تعالى على أن الليل لا يسبق النهار فبين تعالى بهذا حكم الحركة الثانية التي للفلك الكلي وهي التي تتم في كل يوم وليلة دورة وتتساوى فيها جميع الدراري والشمس والقمر والنجوم وقال تعالى. فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب. وأخبر تعالى أن أرواح الكافرين لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة فصح أن من فتحت له أبواب السماء دخل الجنة وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن شدة الحر من فيح جهنم وأن لها نفسين نفساً في الشتاء ونفساً في الصيف وإن ذلك أشد ما نجد من الحر والبرد وإن نارنا هذه أبرد من نار جهنم بتسع وستين درجة وهكذا نشاهد من فعل الصواعق فإنها تبلغ من الإحراق والأذى في مقدار اللمحة ما لا تبلغه نارنا في المدد الطوال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن آخر أهل الجنة دخولاً فيما بعد خروجه من النار يعطى مثل الدنيا عشر مرات رويناه من طريق أبي سعيد الخدري مسنداً وصح أيضاً مسنداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدنيا في الآخرة كاصبع في اليم قال أبو محمد وهذا إنما هو في نسبة المسافة لا في نسبة المدة لأن مدة الآخرة لا نهاية لها وما لا نهاية له فلا ينسب منه شيء البتة بوجه من الأوجه ولا هو أيضاً نسبة من السرور واللذة ولا من الحزن والبلاء فإن سرور الدنيا مشوب بألم ومتناه وحزنها متناه منقض وسرور الآخرة وحزنها خالصان غير متناهيين وهكذا قام البرهان من قبل رويتنا لنصب السماء أبداً على أنه لا نسبة للأرض عند السماء ولا قدر وقال عز وجل. جنة عرضها السموات والأرض. وقال تعالى. وجني الجنتين دان. وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن للجنة ثمانية أبواب وقال عليه السلام فاسألوا الله الفردوس الأعلى فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوق ذلك عرش الرحمن فصح يقيناً أنهما جنتان إحداهما عرض السموات والأرض والأخرى عرضها كعرض السماء والأرض وقوله تعالى. وةلمن خاف مقام ربه جنتان. إنما هو خبر عن الجميع أن لهم هاتين الجنتين فالتي عرضها السموات والأرض هي السموات السبع لأن عرض الشيء منه بلا شك وكل جرم كرسي فإن جميع إبعاده عروض فقط وذكرت الأرض هنا لدخولها في جملة مساحة السموات ولإحاطة السموات بها والتي عرضها كعرض السماء والأرض هي الكرسي المحيط بالسموات والأرض قال الله تعالى. وسع كرسيه السموات والأض. فصح أن عرضه كعرض السموات والأرض مضافاً بعض ذلك إلى بعض فصح أن لها ثمانية أبواب في كل سماء باب وفي الكرسي باب وصح أن العرش فوق أعلا الجنة وهو محل الملائكة وموضعها ليس من الجنة في شيء بل هو فوقها وكذلك قوله تعالى. الذين يحملون العرش ومن حوله. بيان جلي بأن على العرش جرماً آخر فيه الملائكة وقد ذكر أن البرهان يقوم بذلك من أحكم النظر في الهيئة وهذه نصوص ظاهرة جلية دون تكلف تأويل قال أبو محمد وقوله تعالى كعرض السماء ذكر لجنس الموات لأن السموات اسم للجنس يدل عليه قوله تعالى. وسع كرسيه السموات والأرض. قال أبو محمد ومثل هذا كثير مما إذا تدبره المتدبر دل على صحة ما قلناه من أن كل ما ثبت ببرهان فهو منصوص في القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم
عدداً معلوماً قال أبو محمد وأما اختلاف الناس في التاريخ فإن اليهود يقولون للدنيا أربعة آلاف سنة ونيف والنصارى يقولون للدنيا مسة آلاف سنة وأما نحن فلا نقطع على عدد معروف عندنا وأما من ادعى في ذلك سبعة آلاف سنة أو أكثر أو أقل فقد كذب وقال ما لم يأت قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه لفظة تصح بل صح عنه عليه السلام خلافه بل نقطع على أن للدنيا أمراً لا يعلمه إلا الله عز وجل قال الله تعالى. ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنتم في الأمم قبلكم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض هذا عنه عليه السلام ثابت وهو عليه السلام لا يقول إلا عين الحق ولا يسامح بشيء من الباطل وهذه نسبة من تدبرها وعرف مقدار أعداد أهل الإسلام ونسبة ما بأيديهم من معمور الأرض وأنه الأكثر علم أن للدنيا عدداً لا يحصيه إلا الله الخالق تعالى وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين وضم اصبعيه المقدستين السبابة والوسطى وقد جاء النص بأن الساعة لا يعلم متى تكون إلا الله عز وجل لا أحد سواه فصح أنه عليه السلام إنما عني شدة القرب لا فضل طول الوسطى على السبابة إذ لو أراد فضل ذلك لأخذت نسبة ما بين الاصبعين ونسب ذلك من طول الوسطى فكان لا يعلم بذلك متى تقوم الساعة وهذا باطل وأيضاً فكان تكون نسبته عليه السلام إيانا إلى من قبلنا بأنه كالشعرة في الثور كذباً ومعاذ الله من ذلك فصح أنه عليه السلام إنما أراد شدة القرب وله عليه السلام مذ بعث أربعمائة عام ونيف والله أعلم بمقدار ما بقي من عمر الدنيا فإذا كان هذا العدد العظيم لا نسبة له عندما سلف لقلته وتفاهته بالإضافة إلى ما مضى فهذا الذي قاله عليه السلام من أننا فيمن مضى كالشعرة في الثور أو الرقمة في ذراع الحمار قال أبو محمد وقد رأيت بخط الأمير أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الناصري رحمه الله قال حدثني محمد بن معاوية القرشي أنه رأى بالهند بداله اثنان وسبعون ألف سنة وقد وجد محمود بن سبكتكين بالهند مدينة يؤرخون بأربعمائة ألف سنة قال أبو محمد إلا أن لكل ذلك أولاً ومبدأ ولا بد من نهاية لم يكن شيء من العالم موجوداً قبلها ولله الأمر من قبل ومن بعد ومما اعترض به بعضهم إن قال أنتم تقولون أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ويلبسون ويطأون النساء وإن هنالك جواري أبكاراً خلقن لهم وذلك المكان لا فساد فيه ولا استحالة ولا مزاج وهذه أشياء كوائن فواسد فكيف الأمر قال أبو محمد إن ها هنا ثلاثة أجوبة أحدها برهان ضروري سمعي والثاني برهان نظري مشاهد والثالث إقناعي خارج على أصول المعارض لنا فالأول وهو الذي يعتمد عليه وهو أن البرهان الضروري قد قدمناه على أن الله عز وجل خلق الأشياء وابتدعها مخترعاً لها لا من شيء ولا على أصل متقدم وإذ لا شك في هذا فليس شيء متوهم أو مسئول يتعذر من قدرة الخالق عز وجل إذ كل ما شاء كونه كونه ولا فرق بين خلقه عز وجل كل ذلك في هذه الدار وبين خلقه كذلك في الدار الآخرة وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قامت البراهين الضرورية على أن الله عز وجل بعثه إلينا ووسطه للتبليغ عنه وعلى صدقه فمما أخبر به أن الأكل والشرب واللباس والوطيء هنا لك وكان هذا الخبر الذي اخبرنا به الصادق عليه السلام داخلاً في حد الممن لا في الممتنع ثم لما أخبرنا الله تعالى به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم صح علمنا به ضرورة فبان أنه في حد الواجب وأما الجواب الثاني فهو أن الله عز وجل خلق أنفسنا ورتب جواهرها وطباعها الذاتية رتبة لا تستحيل البتة على التذاذ المطاعم والمشارب والروائح الطيبة والمناظر الحسنة والأصوات المطربة والملابس المعجبة على حسب موافقة كل ذلك لجوهر أنفسنا هذا ما لا مدفع فيه ولا شك في أن النفوس هي الملتذة بكل ما ذكرنا وأن الحواس الجسدية هي المنافذ الموصلة لهذه الملاذ إلى النفوس وكذلك المكاره كلها وأما الجسد فلا حس له البتة فهذه طبيعة جوهر أنفسنا التي لا سبيل إلى وجودها دونها إذا جمع الله يوم القيامة بين أنفسنا وبين الأجساد المركبة لها وعادت كما كانت جوزيت هنالك ونعمت بملاذها وبما تستدعيه طباعها التي لم توجد قط إلا كذلك ولا لها لذة سواها إلا أن الطعام الذي هنالك غير معانىً بنار ولا ذو آفات ولا مستحيل قذراً ودماً ولا ذبح هنالك ولا آلام ولا تغير ولا موت ولا فساد وقد قال الله تعالى. لا يصدعون عنها ولا ينزفون. وتلك الملابس غير محوكة بنسج ولا فانية ولا متغيرة ولا تقبل البلاء وتلك الأجساد لا كدر فيها ولا خلط ولا دم ولا أذى وتلك النفوس لا رذيلة فيها من غل ولا حسد ولا حرص قال الله تعالى. ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً. وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخرجين من النار أنهم يطرحون في نهر على باب الجنة فإذا نقوا وهذبوا هذا نص لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعد التنقية أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم حينئذ يصيرون إلى الجنة فصح أن الملاذ من هذه الأشياء والمتناولات تصل إلى النفوس هنالك على حسب اختلاف وجود النفس لها وتغاير أنواع التذاذها بها وأوقعت عليها الأسماء لإفهامنا المعنى المراد وقد روينا عن ابن عباس ما حدثناه يحيى ابن عبد الرحمن بن مسعود حدثنا قاسم بن اصبغ حدثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي حدثنا وكيع بن الجراح أنبأنا الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس أنه قال ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء وهذا سند في غاية الصحة وهو أول حديث في قطعة وكعي المشهورة قال أبو محمد وأما الوطىء فهو هنالك كما عندنا ههنا لأنه ليس فيه مؤنة ولا استحالة وإنما هو التذاذ النفس بمداخلة بعض الجسد المضاف إليها لجسد آخر فقط وأما الجواب الثالث الإقناعي وهو موافق لأصولهم ولسنا نعتمد عليه فهو قدماء الهند قد ذكروا في كلامهم في الأفلاك والبروج ووجوه المطالع أنه يطلع مع كل وجه من وجوه البروج صور وصفوها وذكروا أنه ليس في العالم الأدنى صورة إلا وهي في العالم الأعلا قال أبو محمد وهذا إيجاب منهم أن هنالك ملابس ومشارب ومطاعم ووطئاً وأنهاراً وأشجارً وغير ذلك قال أبو محمد وعارضني يوماً نصراني كان قاضياً على نصارى قرطبة في هذا وكان يتكرر على مجلسي فقلت له أوليس فيما عندكم في الإنجيل أن المسيح عليه السلام قال لتلاميذه ليلة أكل معهم الفصح وفيها أخذ بزعمهم وقد سقاهم كأساً من خمر وقال إني لا أشربها معكم أبداً حتى تشربوها معي في الملكوت عن يمين الله تعالى وقال في قصة الفقير المسمى العاذار الذي كان مطرحاً على باب الغني تلحس الكلاب جراح قروحه وأن ذلك الغني نظر إليه في الجنة متكئاً في حجر إبراهيم عليه السلام فناداه الغني وهو في النار يا أبي يا إبراهيم ابعث إلى العاذار بشيء من ماء يبل به لساني وهذا نص على أن في الجنة شراباً من ماء وخمر فسكت النصراني وانقطع وأما التوراة التي بأيدي اليهود فليس ذكر لنعيم الآخرة أصلاً ولا لجزاء بعد الموت البتة قال أبو محمد وكذك الجواب في أكل أهل النار وشربهم سواء بسواء كما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق قال أبو محمد والأرض أيضاً سبع طباق منطبقة بعضها على بعض كإطباق السموات لإخبار خالقنا بذلك وليس ذلك قبل الخبر في حد الممتنع بل في حد الممكن وذكر قوم قول الله تعالى. يوم تبدل الأرض غير الأرض والمسوات. فقلنا قول الله هذا حقاً وقد قال عز وجل. وفتحت السماء فكانت أبواباً. وقال عز وجل. يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن. وقال تعالى. وحملت الأرض والجبال فدكتا دكةً واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها. وقال تعالى. إذا السماء انشقت. وقال تعالى. وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت وأذنت لربها وحقت. وقال تعالى. إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجرت. وقال تعالى. إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت. وقال تعالى. إن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما. وقال تعالى. كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين. وقال تعالى وذكر أهل الجنة. خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاءً غير مجذوذ. فكل كلامه تعالى حق لا يجوز الاقتصار على بعضه دون بعض فصح يقيناً أن تبديل السموات والأرض إنما هو تبديل أحوالها لا إعدامها لكن إخلاؤها من الشمس والقمر والكواكب والنجوم وتفتيحها أبواباً وكونها كالمهل وتشققها ووهيها وانفطارها وتدكدك الأرض والجبال وكونها كالعهن المنفوش وتسييرها وتسجير البحار فقط وبهذا تتألف الآيات كلها ولا يجوز عن هذا أصلاً ومن اقتصر على آية التبديل كذب كل ما ذكرنا وهذا كفر ممن فعله ومن جمعها كلها فقد آمن بجميعها وصدق الله تعالى في كل ما قال وهذا يوجب ما قلنا ضرورة وبالله تعالى التوفيق قال أبو محمد قد أكملنا والحمد لله كثيراً الكلام على الملل المخالفة لدين الإسلام الذي هو دين الله تعالى على عباده الذي لا دين له في الأرض غيره إلى يوم القيامة وأوضحنا بعون الله تعالى وتأييده البراهين الضرورية على إثبات الأشياء ووجودها ثم على حدوثها كلها جواهرها وأعراضها بعد إن لم تكن ثم على أن لها محدثاً واحداً مختاراً لم يزل وحده لا شيء معه وأنه فعل لا لعلة وترك لا لعلة بل كما شاء لا إله إلا هو ثم على صحة النبوات ثم على صحة نبوة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم وأن ملته هي الحق وكل ملة سواها باطل وأنه آخر الأنبياء وملته آخر الملل فلنبدأ الآن بعون الله تعالى وتأييده في ذكر نحل المسلمين وافتراقهم فيها وبيان الحق في كل وبالله نستعين بسم الله الرحمن الرحيم قال الفقيه أبو محمد علي بن أحمد بن حزم رضي الله عنه إذ قد أكملنا بعون الله الكلام في الملل فلنبدأ بحول الله عز وجل في ذكر نحل أهل الإسلام وافتراقهم فيها وإيراد ما شغب به من شغب منهم فيما غلط فيه من نحلته وإيراد البراهين الضرورية على إيضاح نحلة الحق من تلك النحل كما فعلنا في الملل والحمد لله رب العالمين كثيراً ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال أبو محمد فرق المقرين بملة الإسلام خمسة وهم أهل السنة والمعتزلة والمرجئية والشيعة والخوارج ثم افترقت كل فرقة من هذه على فرق وأكثر افتراق أهل السنة في الفتيا ونبذ يسيرة من الاعتقادات سننبه عليها إن شاء الله تعالى ثم سائر الفرق الأربعة التي ذكرنا ففيها ما يخالف أهل السنة الخلاف البعيد وفيهم ما يخالفهم الخلاف القريب فأقرب فرق المرجئية إلى أهل السنة من ذهب مذهب أبي حنيفة الفقيه إلى أن الإيمان هو التصديق باللسان والقلب معاً وأن الأعمال إنما هي شرائع الإيمان وفرائضه فقط وأبعدهم أصحاب جهم بن صفوان والأشعري ومحمد بن كرام السجستاني فإن جهماً والأشعري يقولون أن الإيمان عقد بالقلب فقط وإن أظهر الكفر والتثليث بلسانه وعبد الصليب في دار الإسلام بلا تقية ومحمد بن كرام يقول هو القول باللسان وإن اعتقد الكفر بقلبه وأقرب فرق المعتزلة إلى أهل السنة أصحاب الحسين بن محمد النجار وبشر بن غياث المريسي ثم أصحاب ضرار ابن عمرو وأبعدهم أصحاب أبي الهزيل وأقرب مذاهب الشيعة إلى أهل السنة المنتمون إلى أصحاب الحسن بن صالح بن حي الهمزاني الفقيه القائلون بأن الإمامة في ولد علي رضي الله عنه والثابت عن الحسن بن صالح رحمه الله هو قولوا أن الإمامة في جميع قريش وتولى جميع الصحابة رضي الله عنهم إلا أنه كان يفضل علياً على جميعهم وأبعدهم الإمامية وأقرب فرق الخوارج إلى أهل السنة أصحاب عبد الله بن يزيد الإباضي الفزاري الكوفي وأبعدهم الأزارقة وأما أصحاب أحمد بن حابط وأحمد بن مالوس والفضل الحراني والغالية من الروافض والمتصوفة والبطيحية أصحاب أبي إسماعيل البطيحي ومن فارق الإجماع من العجاردة وغيرهم فليسوا من أهل الإسلام بل كفار بإجماع الأمة ونعوذ بالله من الخذلان ذكر ما اعتمدت عليه كل فرقة من هذه الفرق مما اختصت به قال أبو محمد أما المرجئية فعمدتهم التي يتمسكون بها الكلام في الإيمان والكفر ما هما والتسمية بهما والوعيد واختلفوا فيما عدا ذلك كما اختلفت غيرهم وأما المعتزلة فعمدتهم التي يتمسكون بها الكلام في التوحيد وما يوصف به الله تعالى ثم يزيد بعضهم الكلام في القدر والتسمية بالفسق أو الإيمان والوعيد وقد يشارك المعتزلة في الكلام فيما يوصف الله تعالى به جهم بن صفوان ومقاتل بن سليمان والأشعرية وغيرهم من المرجئية وهشام بن الحكم وشيطان الطاق واسمه محمد بن جعفر الكوفي وداود الحواري وهؤلاء كلهم شيعة إلا أننا اختصصنا المعتزلة بهذا الأصل لأن كل من تكلم في هذا الأصل فهو غير خارج عن قول أهل السنة أو قول المعتزلة حاشا هؤلاء المذكورين من المرجئية والشيعة فإنهم انفردوا بأقوال خارجة عن قول أهل السنة والمعتزلة وأما الشيعة فعمدة كلامهم في الإمامة والمفاضلة بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واختلفوا فيما عدا ذلك كما اختلف غيرهم وأما الخوارج فعمدة مذهبهم الكلام في الإيمان والكفر ما هما والتسمية بهما والوعد والإمامة واختلفوا فيما عدا ذلك كما اختلف غيرهم وإنما خصصنا هذه الطوائف بهذه المعاني لأن من قال إن أعمال الجسد إيمان فإن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وإن مؤمناً يكفر بشيء من أعمال الذنوب وإن مؤمناً بقلبه وبلسانه يخلد في النار فليس مرجئياً ومن وافقهم على أقوالهم ها هنا وخالفهم فيما عدا ذلك من كل ما اختلف المسلمون فيه فهو مرجيء ومن خالف المعتزلة في خلق القرآن والرؤية والتشبيه والقدر وأن صاحب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر لكن فاسق فليس منهم ومن وافقهم فيما ذكرنا فهو منهم وإن خالفهم فيما سوى ما ذكرنا مما اختلف فيه المسلمون ومن وافق الشيعة في أن علياً رضي الله عنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحقهم بالإمامة وولده من بعده فهو شيعي وإن خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون فإن خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعياً ومن وافق الخوارج من إنكار التحكيم وتكفير أصحاب الكبائر والقول بالخروج على أئمة الجور وإن أصحاب الكبائر مخلدون في النار وأن الإمامة جائزة في غير قريش فهو خارجي وإن خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون خالفهم فيما ذكرنا فليس خارجياً قال أبو محمد وأهل السنة الذين نذكرهم أهل الحق ومن عداهم فأهل البدعة فإنهم الصحابة رضي الله عنهم وكل من سلك نهجهم من خيار التابعين رحمة الله عليهم ثم أصحاب الحديث ومن اتبعهم من الفقهاء جيلاً فجيلاً إلى يومنا هذا ومن اقتدى بهم من العوام في شرق الأرض وغربها رحمة الله عليهم قال أبو محمد وقد تسمى باسم الإسلام من أجمع جميع فرق الإسلام على أنه ليس مسلماً مثل طوائف من الخوارج غلوا فقالوا إن الصلاة ركعة بالغداة وركعة بالعشي فقط وآخرون استحلوا نكاح بنات البنين وبنات البنات وبنات بني الإخوة وبنات بني الأخوات وقالوا إن سورة يوسف ليست من القرآن وآخرون منهم قالوا يحد الزاني والسارق ثم يستتابون من الكفر فإن تابوا وإلا قتلوا وطوائف كانوا من المعتزلة ثم غلوا فقالوا بتناسخ الأرواح وآخرون منهم قالوا إن شحم الخنزير ودماغه حلال وطوائف من المرجئية قالوا إن إبليس لم يسأل الله قط النظرة ولا أقر بأن خلقه من نار وخلق آدم من تراب وآخرون قالوا إن النبوة تكتسب بالعمل الصالح وآخرون كانوا من أهل السنة ففعلوا فقالوا قد يكون في الصالحين من هو أفضل من الأنبياء ومن الملائكة عليهم السلام وأن من عرف الله حق معرفته فقد سقطت عنهم الأعمال والشرائع وقال بعضهم بحلول الباري تعالى في أجسام خلقه كالحلاج وغيره وطوائف كانوا من الشيعة ثم غلوا فقال بعضهم بالآهية علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة بعده ومنهم من قال بنبوته وبتناسخ الأرواح كالسيد الحميري الشاعر وغيره وقالت طائفة بنبوة المغيرة بن أبي سعيد مولي بني بجلة وبنبوة أبي منصور العجلي وبزيع الحايك وبيان ابن سمعان التميمي وغيرهم وقال آخرون منهم برجعة علي إلى الدنيا وامتنعوا من القول بظاهر القرآن وقالوا إن لظاهره تأويلات فمنها أن قالوا السماء محمد والأرض أصحابه وأن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة أنها هي فلانة يعني أم المؤمنين رضي الله عنها وقالوا العدل والإحسان هو علي والخبث والطاغوت فلان وفلان يعنون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وقالوا الصلاة هي دعاء الإمام والزكاة هي ما يعطي الإمام والحج القصد إلى الإمام وفيهم خناقون ورضاخون وكل هذه الفرق لا تتعلق بحجة أصلاً وليس بأيديهم إلا دعوى الإلهام والقحة والمجاهرة بالكذب ولا يلتفتون إلى مناظرة ويكفي من الرد عليهم أن يقال لهم ما الفرق بينكم وبين من ادعى أنه ألهم بطلان قولكم ولا سبيل إلى الانفكاك من هذا وأيضاً فإن جميع فرق الإسلام متبرئة منهم مكفرة لهم مجمعون على أنهم على غير الإسلام نعوذ بالله من الخذلان قال أبو محمد والأصل في أكثر خروج هذه الطوائف عن ديانة الإسلام أن الفرس كانوا من سعة الملك وعلو اليد على جميع الأمم وجلالة الخطير في أنفسهم حتى أنهم كانوا يسمون أنفسهم الأحرار والأبناء وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب وكانت العرب أقل الأمم عند الفرس خطراً تعاظمهم الأمر وتضاعفت لديهم المصيبة وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى ففي كل ذلك يظهر الله سبحانه وتعالى الحق وكان من قائمتهم ستقادة واستاسيس والمقنع وبابك وغيرهم وقيل هؤلاء رام ذلك عمار الملقب بخداش وابو سلم السراج فرأوا أن كيده على الحيلة أنجع فأظهر قوم منهم الإسلام واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشناع ظلم علي رضي الله عنه ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى أخرجوهم عن الإسلام فقوم منهم أدخلوهم إلى القول بأن رجلاً ينتظر يدعى المهدي عنده حقيقة الدين إذ لا يجوز أن يؤخذ الدين من هؤلاء الكفار إذ نسبوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكفر وقوم خرجوا إلى نبوة من ادعوا له النبوة وقوم سلكوا بهم المسلك الذي ذكرنا من القول بالحلول وسقوط الشرائع وآخرون تلاعبوا فأوجبوا عليهم خمسين صلاة في كل يوم وليلة وآخرون قالوا بل هي سبع عشر صلاة في كل صلاة خمسة عشر ركعة وهذا قول عبد الله بن عمرو بن الحرث الكندي قبل أن يصير خارجياً صغرياً وقد سلك هذا المسلك أيضاً عبد الله بن سبأ الحميري اليهودي فإنه لعنه الله أظهر الإسلام لكيد أهله فهو كان أصل إثارة الناس على عثمان رضي الله عنه وأحرق علي بن أبي طالب رضي الله عنه منهم طوائف أعلنوا بالإلهية ومن هذه الأصول الملعونة حدثت الإسماعيلية والقرامطة وهما طائفتان مجاهرتان بترك الإسلام جملة قائلتان بالمجوسية المحضة ثم مذهب مردك الموبذ الذي كان على عهد أنوشروان ابن قيماد ملك الفرس وكان يقول بوجوب تأسي الناس في النساء والأموال قال أبو محمد فإذا بلغ الناس إلى هذين الشعبين أخرجوه عن الإسلام كيف شاؤا إذ هذا هو غرضهم فقط فالله الله عباد الله اتقوا الله في أنفسكم ولا يغرنكم اهل الكفر والإلحاد ومن موه كلامه بغير برهان لكن بتمويهات ووعظ على خلاف ما أتاكم به كتاب ربكم وكلام نبيكم صلى الله عليه وسلم فلا خير فيما سواهما واعلموا أن دين الله تعالى ظاهر لا باطن فيه وجهر لا سر تحته كله برهان لا مسامحة فيه واتهموا كل من يدعوا أن يتبع بلا برهان وكل من ادعى للديانة سراً وباطناً فهي دعاوي ومخارق واعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكتم من الشريعة كلمة فما فوقها ولا أطلع أخص الناس به من زوجة أو ابنة أو عم أو ابن عم أو صاحب على شيء من الشريعة كتمه عن الأحمر والأسود ورعاة الغنم ولا كان عنده عليه السلام سر ولا رمز ولا باطن غير ما دعي الناس كلهم إليه ولو كتمهم شيئاً لما بلغ كما أمر ومن قال هذا فهو كافر فإياكم وكل قول لم يبن سبيله ولا وضح دليله ولا تعوجاً عنما مضى عليه نبيكم صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم. قال أبو محمد وقد أوضحنا شنع جميع هذه الفرق في كتاب لنا لطيف اسمه النصائح المنجية من الفضائح المخزية والقبايح المردية من أقوال أهل البدع من الفرق الأربع المعتزلة والمرجئية والخوارج والشيع ثم أضفناه إلى آخر كلامنا في النحل من كتابنا هذا وجملة الخير كله أن تلزموا ما نص عليكم ربكم تعالى في القرآن بلسان عربي مبين لم يفرط فيه من شيء تبياناً لكل شيء وما صح عن نبيكم صلى الله عليه وسلم برواية الثقاة من أئمة أصحاب الحديث رضي الله عنهم مسند إليه عليه السلام فهما طريقتان يوصلانكم إلى رضى ربكم عز وجل ونحن نبتدي من هنا إن شاء الله تعالى في المعاني التي هي عمدة ما افترق المسلمون عليه وهي التوحيد والقدر والإيمان والوعيد والإمامة والمفاضلة ثم أشياء تسميها المتكلمون اللطائف ونورد كل ما احتجوا به ونبين بالبراهين الضرورية إن شاء الله تعالى وجه الحق من كل ذلك كما فعلنا فيما خلى بعون الله تعالى وتأييده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فأول ذلك
|